ظاهرة سياسية
بين نكبة وأخرى تمضي أيامنا.
تتصدَّر النكبة حياتنا وتجللها بالسواد، وحين تتسلل فضة النهار إلى عتمة الليل، ونسترق لحظة فرح؛ تفاجئنا نكبة أخرى لتظلِّل ذكرياتنا. وفي اللحظة نفسها، التي نستفيق ونضمِّد جراحنا؛ تطالعنا نكبة نحار في تسميتها! هل هي النكبة الصغرى؟ نسبة إلى الكبرى؟ ولكن هل تكون أصغر، وهمّنا يكبر؟! هل تكون أصغر وأملنا يذبل يوماً بعد يوم؟! هل هي النكسة؟ أم الفجيعة؟ أم الكارثة؟
وبدلاً من أن يوحِّدنا العدوان، وتوحِّدنا المذابح المستمرَّة؛ نسنّ سكين إعلامنا، ومباضع حقدنا، ونشهرها في وجه بعضنا. يختلط الحلفاء والأعداء، ولا نعود ندري من هو صديقنا ومن هو عدونا! يا الله! أيّة نكبة أكبر من هذه النكبة؟
*****
"يأتى يوم الأسير الفلسطينى هذا العام 17/4/ 2008 وهنالك ما يقارب من 11.500 أسير فلسطيني وعربي موزعين على أكثر من 25 سجناً ومعتقلاً ومركز توقيف وتحقيق فى دولة الاحتلال، وهنالك ما يقارب 360 طفلا أصغرهم ابن 3 شهور، وهنالك ما يقارب 99 أسيرة فى سجن هشارون "تلموند" والجلمة، وما يقارب 352 من الأسرى القدامى، وما يقارب 81 منهم، ممن أمضى أكثر من عشرين عاماً، و13 منهم من أمضى ما يزيد عن ربع قرن من الزمان فى السجون الاسرائيلية، واثنان أمضيا أكثر من 30 عاماً متتالية "الأسير سعيد العتبة ونائل البرغوثى"، وما يقارب 1200 من الأسرى بالحكم الإدارى، و195 من الشهداء فى السجون منذ عام 1967، منهم 48 نتيجة الاهمال الطبى، و7 فى عام واحد "2007"، بالاضافة لأسير في هذا العام". "الأسرى للدراسات".
*****
تقرير أعدَّه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في القدس
*****
ويصف السجناء السابقون، الظروف اللاإنسانية التي يعيشها السجناء، والطعام الرديء، والأمراض المتفشية. يصفون الغرف الضيقة، والحمّامات القذرة. يتحدَّثون عن الإهانات والسباب والشتائم. في عسقلان، وبئر السبع، ونفحة، وشطة، وجلبوع، وعوفر.
تروي أمهات الأسرى عن رحلة عذابهن الطويلة، عند زيارة أبنائهن، يروين عن رحلة الشقاء والقهر، عبر الجبال والكثبان الرملية. يروين عن سجن شطّه وجلبوع، فيؤكِّدن أنهما أسوأ سجنين في التاريخ.
"انتقلت إلى سجن تلموند أنا ولينا، وكنا 35 سجينة، مها عواد روّحت بدون حكم، لفّت على الغرف وروّحت، انتقلنا إلى تلموند، وصلنا المغرب، كان تفتيش للمخابرات، وصار يحكي: انه إحنا في السجن، وصاروا يتخوّثوا، دخلت على السجن، غرفة أنا وسها ومريم، وكمان عبير وندى. الغرفة وسخة، الحمام زبالة، جيت أغسل؛ فش مجال تشلحي البوت، ظليت لابسة من الوسخ عالأرض، صرت لّما بدي أتوضا؛ أمسح على الجربات. وأكياسنا إللي جبناها لسه على الأرض، والتخوت كلها رطوبة، والفرشات ما فيّ أنام عليهن، قالوا لي: ما تتعبي، إحنا بنشتغل متعودين، صاروا يشطفوا ويغنوا، جابوا فرشات رقيقة، وصارت الكهرباء تضوي وتطفي طول الليل، انعمينا فيها رسمي، اطلّعت على الغرف والخزائن والحمام؛ شعرت أني داخل على زريبة حيوانات، عن جدّ الوضع مزري، قالوا لي: انتقلي على غرفة ثانية، انتقلت على غرفة فيها فقط 6 صبايا، جابوا بطاطا مهروسة، الأكل هناك أردى من الرملة، الباذنجان بقشره مقطَّع، صيام جابوا كعكة واحدة، تخيلي تفطري على كعكة بعد صيام، الدنيا برد كثير آخر 11، حتى البطاطا والباذنجان باردة. أنا مرضت هذيك الفترة، فش إشي سخن للأكل، والمنطقة زبايل".
*****
وحين أضربت عن الطعام، في الثاني عشر من آذار عام ألفين وثمانية؛ لم تعرف أن العالم قد أصيب بالصمم والعمى.
خلَّف الإضراب الأول آلاماً في الكبد. وخلَّف الإضراب الثاني آلاماً في الكلى والمرارة. أما صمم العالم وعماه؛ فقد خلَّف آلاماً في ضمير عشاق الحرية.
--
Dr. Faiha Abdulhadi
Writer & Research Consultant
+972599208840
+962799537730
+971503105142
__._,_.___