قصيدة للشاعر الصفصافي الأستاذ محمود صبحة :
تعودين ولا نعود
كواسرُ الغربان من خاف الأساطير ،
تقيم عرشها الدَّخيلْ ،
تيجاننا كانت مطايا لرياح الغرب ،
فباركوا مولودَهُم للغصب ،
وها هُمُ اليومَ ، حِيالَ الخَصمِ والحَكَم ،
الباسطِ الجنحَيْن فوقَ هيئةِ الأممِ ،
كطائرٍ يلوذُ بالجناحِ ،
من نسمةِ الصباحِ .
*
وأنتِ يا عائدةً مع مَطلعِ الربيعْ ،
بلونِ حزنٍ ثاكلٍ من أثرِ النجيع ،
من بعد طول غُربةٍ ، في طلبِ الدِّفءِ ، وخَلْفَ المَرتَعِ الأمينْ ،
تُعاودينَ عُشَّكِ القديمْ ،
بشوقكِ الدفين ،
يطرقُكِ الأسى ، وأنتِ تَشهدين ،
عقدَ قرانِ الذئبِ والقطيع ،
في هجمةِ التطبيعْ.
و نحنُ في نشدانِنا الإياب
كباسطِ كفّيهِ للسراب.
أوطاننا قد ضُيِّعتْ
خارطةً باتت برسمِ الشَّطبْ
مُذ أصبحتْ قامات أوصيائنا
زلاّجةً تحت نِعالِ الغربْ
لكنّما السَّبيَّة الحُلمْ
بوْصلةٌ في القلبْ ،
جوعُ المسافاتِ إلى الواحاتِ ،
والشمسُ التي تضحكُ خلف السُحْب ،
حقيقةً خالدةً ، تظلُّ تحيا في ضمير الشعبْ.
فهاتِفُ الفداءِ لم يزل هو الدليل ،
تحملهُ البراعمُ التي لا تعرف الذُبولْ ،
غائبنا يُولد في أطفالنا .
القاذفين بالحجارةِ الدخيلْ ،
( كأنّهُم عشرون مستحيل
في اللّدِ والرملةِ والجليل )
تستصرِخ الهامةُ في قُبورنا
متى يقومُ طائِر الفينيق؟
ونجدُ الطريق؟
**
هأنت في تكيُّفِ الطقس ، في تقلُّب الفصول .
قد عُدتِ من مُغتربٍ للوطن الأم وهيهات نعود!
الجو مفتوحٌ على الطيرِ ، وفي أوُجِهنا ترتفِعُ السدود.
عاودتِ عُشّكِ القديمْ ،
كما تعودُ سندناية الحيّ التي جُثَّت إلى الأرض ،
بأيدي الواثب الغريب ،
يسعى لإخفاء معالم الأصيل ،
لكنّها في هبّةِ الأعماقِ تنهضُ الأُصول ،
تُطِلُ في الفسائِلِ الخضراء ،
مرفوعةَ الرأسِ تطلُعاً إلى البعيد ،
تطلُّعَ النّفيِ الفلسطينيِّ للوجودْ ،
في كِبْرِه العنيدْ ،
وتلتقي السماءُ بالأرضِ ، غداةَ يُذكرُ الشهيدْ .
***
وأنتِ يا واصلةً في البُعدِ ،
يا سنون الحقلِ ، يا سلطانةِ الأثيرْ ،
برُغمِ جذبٍ فيكِ للمكانْ ،
وعشقكِ الصحوةَ والأمانْ ،
بين الفضاءِ الرحب ِ والعبير ،
لستِ بمثلِ شوقِنا إلى الوصُولْ ،
ولستِ مثلَ شعبِنا توحُّداً بالأرضِ لا يزولْ.
تحدوكِ حاجاتٌ ، ولكن شعبنا تحكُمُهُ القِيَمْ ،
بمثلِ شوقِ النَّسر للقِمَمْ.
لعلّها راعتْكِ طيرٌ ، تذرَعُ الفضاءَ بالهديرْ ،
وتنشرُ التدميرْ.
لو كنت تحملين من ضلوعنا رسالةً ،
إلى الذين شكَّلوا لرأسنا رافعةً ،
عادوا لنا بوجهنا الأصيل ،
وللعُناةِ في أقبيةِ الظُلم ،
ومن خلفِ الحدود ،
قولي لهم : " إنا على الطريق سائرون ،
في حلُم العودة ، مهما طالت السنون ".
فشمسُنا لا تعرِفُ الأفولْ ،
مهما تجافى الخصب أرضنا ،
ونَكّسَتْ رؤوسنا الذُّيولْ.
...............................................................................
كتبت سنة 2000 وهي من ديوان للشاعر بعنوان : أطباق المغيب
إعداد وتقديم موقع الصفصاف